الأربعاء، 23 سبتمبر 2009




الحلقة الثانية من قضايا الامن القومى



بعنوان : تقسيم السودان طعنة فى جسد الامن القومى المصرى



ان فكرة تقسيم السودان هى فكرة بريطانية بالاساس حيث نشأت فى احضان الاحتلال البريطانى الذى اهتم بتكريس هذه الفكرة . كأى استعمار يهدف الى تقسيم مستعمرته لضمان ضعفها . منذ الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882م أخذت تعمل على تقسيمها ، طبقا للخطة التى وظعتها للعالم الإسلامي بتمزيقه ليسهل لها السيطرة عليه والتحكم فى ثرواته , فقامت من خلال هذه السياسة، في عام 1899م بتقسيم مصر إلى قطرين : الأول حددته بما هو واقع جنوب خط عرض (22) درجة وأطلقت عليه اسم (السودان) ، والثاني حددته بما هو شمال هذا الخط وأطلقت عليه اسم (مصر) . وقد أبقت على اسم مصر للقطر الثاني دهاءا منها لمحو صفته الحقيقية (كما يحدث الآن في التآمر لإطلاق اسم فلسطين على أقل من ربع مساحتها) . قبل عام 1899م ، (منذ ما قبل الفتح الإسلامي، ولعهد ليس ببعيد ، أي أثناء الحكم العثماني وحكم أسرة محمد علي) ، كانت مصر والسودان وحدة واحدةً، وبلداً واحداً اسمه مصر. وعلى الرغم من المعارضة التى أظهرها الشعب المصرى لخطة التقسيم فى ذلك الوقت ، فإن بريطانيا لم تبدى اهتماما لهذه المعارضة، واستمرت فى التقسيم وفرضته بقوة السلاح .ولم تكتفى بذلك وانما قامت بتقسيم الجزء الجنوبى الذى أسماه بالسودان الى جزئين : جزء فى الشمال, والاخر فى الجنوب .وحرص تمام الحرص على ابعاد الشمال وتعاملاته عن الجنوب , فمنع اى علاقات تجارية او تعاونية أو أى من مظاهر الاحتكاك بين الشمال والجنوب وكذلك منع انتشار الاسلام فى الجنوب وفرض على الجنوب اللغة الانجليزية لتصبح لغة التعامل هادفا بذلك الى جعله كيانا مختلفا تماما عن الشمال ,له لغته ودياناته وتقاليده الخاصة وذلك لكى يطمئن بان أمر اعادة الوحدة بينهما أمر مستحيل ... وقد كان .
فنرى الان مظاهر العداوة والاضطرابات وعدم الاستقرار بين الشقين الشمالى والجنوبى .لقد تحولت قضية تقسيم السودان الى واقع فعلى لا تغيب مظاهرة عن الاحداث اليومية وما نتلقاه من أخبار .


السياسة الاسرائيلية فى نظرتها الى مصر كقطب قوى تجاهها ولابد من اخضاع هذا القطب لسيطرتها , اتجهت الى سياسة الالتفاف حولها وقد تركزت الجهود الاسرائيلية من اجل احكام قبضتها على مصر وذلك من خلال عدة محاولات بديلة بعد فشل خططها السابقة . ومن هذه المحاولات : ( تفكيك السودان ) .

ان اساس الاستراتيجية الاسرائيلية الامريكية من خلال تعاملها مع الدول العربية هو العمل على تفكيكها وتفتيتها الى دويلات او كانتونات طائفية مثلما الحال بـ لبنان وكما هو الوضع فى السودان , فاتفاق السودان الأخير يجمع الصورتين من التقسيم. ففي الفترة الانتقالية يتم تقسيم السودان إلي إقليم شمالي يحكم بدستور مستمد من الشريعة الإسلامية،وإقليم جنوبي يحكم بدستور مستمد من أعراف وديانات الجنوب، ويجمع بين الكيانين اتحاد كونفدرالي دستوري علماني، ثم بعد ذلك يعطي للجنوب حق تقرير المصير، ويتوقع المراقبون أن هذا سيؤدي بانفصال الجنوب، وهكذا فقد تم بذلك بدء تقسيم السودان، وإذا انقسمت السودان فإنه ينذر بانقسام الدول المجاورة ومن بينها مصر.

ويتضح خوف مصر من تقسيم السودان فيما يلى : -

1)حذر الدكتور " أسامة الباز" مستشار الرئيس المصري للشئون السياسية، وهو أحد صانعي السياسة المصرية، من خطورة تقسيم السودان ومما قد يؤدى اليه من تقسم الدول المجاورة، بل إن الحكومة المصرية لم تقلق من مسألة المياه مثل قلقها من خطورة انفصال الجنوب، إذ حاول الباز طمأنة المتخوفين من تأثير الاتفاق علي حصة مصر من مياه النيل بالقول" إن تقسيم السودان لن يكون له أي تأثير علي مياه النيل لأن هناك اتفاقات تحدد حصة مصر من مياه النيل، وكان الدكتور أسامة الباز قد حذر قبل ذلك من مخاطر تقسيم السودان، وأكد سعي مصر للمحافظة علي حدود الدول الإفريقية كما هي، وأعرب عن اعتقاد بان السماح بتجزئة السودان إلي جزأين سيكون " ظاهرة معدية " قد تمتد إلي دول أخري مجاورة علي أساس قبلي ولغوي وديني، الأمر الذي يؤدي إلي خلق حالة كبيرة جدا منعدم الاستقرار والفوضى في المنطقة.

2)ولقد تأكد هذا الخوف المصري من انفصال الجنوب أثناء لقاء الوفد السوداني مع الرئيس المصري " حسني مبارك" إذ شدد مبارك خلال اللقاء علي توضيح موقف مصر المؤيد لوحدة السودان، وبالتالي رفض انفصال الجنوب، وطلب من المبعوثين السودانيين نقل هذا الرأي إلي الرئيس عمر البشير. وأكد مبارك أن مصر تقف بقوة مع السودان الشقيق في مساعيه لتحقيق الاستقرار ، وتقف مع وحدة السودان، ومع الشعب السوداني في سعيه من أجل تثبيت هذه الوحدة في إطار سودان واحد قوي، يتمتع فيه كل أبنائه بحقوقهم كاملة، ويجنون جميعا ثمار الثروة القومية السودانية، وأكد المستشار الإعلامي السوداني في القاهرة" الخاتم عبد الله" في تصريحاته له إن مصر لديها تحفظ واضح وهاجس كبير، بشأن قضية تقرير المصير وفصل الجنوب.

3)أما الان ومن الأحداث الأخيرة ، قرار اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير مما شكل خطورة علي الأمن القومي المصري، لما يترتب علي هذا القرار من خلق حالة من الفوضى علي الحدود المصرية ، بالإضافة إلي ما قد يترتب عليه من تفكك السودان، وتأثير هذا التلاعب بمياه النيل. وقال الدكتور " هاني رسلان" رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ، إن قرار اعتقال البشير لن يصب في مصلحة الأمن القومي المصري وخاصة لو تم تصعيد القرار من قبل مجلس الأمن، لما له من تأثيرات سلبية علي وحدة السودان الداخلية. " وأشار رسلان إلي" أن أي تصعيد للموقف سيضع مصر امام مجموعة من المخاطر، أهمها ضرورة إعادة صياغة التوازنات الإستراتيجية بمنطقة حوض النيل، بالإضافة إلي فقدان السيطرة علي أمن البحر الأحمر، وما قد يترتب علي هذا القرار من خلق قوي سياسية في الجنوب السوداني. تقوم بالعبث بمياه النيل، لمصلحة دول أخري، للضغط علي مصر، سياسيا واقتصاديا وأكد أن أي تدهور للأوضاع السودانية قد يؤدي إلي قطع الطريق أمام مصر إلي أي شراكه أو تعاون سياسي أو اقتصادي مع دول حوض النيل بداية من السودان وحتي منطقة القرن الإفريقي.
ان سعى مصر لمنع مثل حدوث هذا الانفصال والتقسيم هو ما دفعها الى محاولة تجميد قرار اعتقال البشير وذلك حفاظا منها على امنها القومى .

4)وتتعزز هذه المخاوف المصرية بسبب تعمد الأطراف القائمة علي الاتفاق تجاهل مصر وعدم إشراكها في المفاوضات التي أوصلت إليه، بينما ركزت السياسة المصرية في السنوات الأخيرة علي العمل علي موازنة نفوذ الدول الأفريقية المعنية بالشأن السوداني والمنطقة في تجمع " الإيجاد" والتي عادة ما كانت وجهات نظر أكثر قربا لوجهة نظر المعارضة الجنوبية المسلحة، ومما يزيد من المخاوف في ذلك الجانب، هو سعي إسرائيل العملي لاختراق جنوب السودان وذلك من خلال العلاقة الوثيقة مع الجيش الشعبي لتحرير السودان، حيث يدرك القادة الإسرائيليون أن السودان وذلك بموقعه الجغرافي وأنوعه العرقي إنما يقوم علي دوره العربي والإسلامي وحتي الأفريقي باعتباره يشكل نموذجا للتعايش العربي الإفريقي المنشود، لذلك فإن الوقوف إلي جانب { جون قرنق } الزعيم الانفصالي؟، إنما يجهض السودان اقتصاديا وسياسيا ويعيقه عن أداء هذا الدور الهام، ولا يمكن فصل جهود الكيان الصهيوني في التعاون مع حركة التمرد الانفصالية في جنوب السودان عن جهود إريتريا الحليف الرئيسي لدولة الكيان في هذا الشأن. فالتعاون بين أفورقي ـ الذي يلعب دور الوكيل لدولة الكيان ـ وبين جون قرنق. إنما يهدف بشكل أساسي إلي إكمال المثلث الإستراتيجي الذي يطوق العرب ويسمح بالتحكم في مياه النيل وباب المندب، هذا المثلث الذي يتكون من إثيوبيا وإريتريا وجنوب السودان.

بعد ان كان تقسيم السودان مجرد مخاوف لدى العديد من الدول التى تطمح الى تحقيق امنها القومى والاقليمى أصبح الان واقعا لا مفر منه . هذا الواقع الذى بدوره قد يؤدى الى تغير كبير فى خريطة الوطن العربى تدريجيا . وبالطبع نعرف من سيمسك بـ ريشة الرسم . ولكن ما لا نعرفه هو شكل الخريطة الجديد .
أنا و أنت من فصيلة دم واحدة